الثلاثاء، 3 يونيو 2014

ميلاد

أؤمن بأن أول من اعتاش على معنى الميلاد الحقيقي هو ذلك البشريّ محتشدةً فيه كل الوجوه التي مرّرت دهشتها على عمره دفعة واحدة تلك التي أعادته لما يشبهه وما هو عليه الآن ، راسمة له طريقا حيّا بكل تفاصيله
أؤمن بأن أول من اقتات على لهفته المذهلة هو ذلك المغتسل تماما بالحقيقي\ القدسيّ الذي لا يثقبه انتظار ولا تقتله مسافة و لا يأتي إلا من وراء خيوط الشمس الأخيرة ، لا يأتي إلا في أوانه مكتملا في بهائه 
الميلاد حنين ، حنينٌ لما كنت عليه ، لما عرّفك و أكسبك صفة غارقة في الأمس ، لما يجب أن تكون عليه وما لم تدركْكَ المسافات منه ، حنين لكلّ وجه مضى وسقى التعثّر به بالشهيق المرمّد، لكل من سيأتي وينفث غيماً بليغاً بالأبجديات التي لم تفنَ بعد . الميلاد بلاد صنعت وجودك و رأتك كامل الهشاشة فنفحت فيك التشرد أبدا .

الميلاد كل ما ارتجفت له الروح، كل ما ثقبها في الوسط تماما ، كل ما قالته على أدراج الصدى ولم ينصت إليه أحد ، كل ما أعادها لغربتها الأولى، لصرختها الأولى ، كل ما حرسها ، كل ما ندّاها كل ما أحياها وكل ما اتّسع لها 

ممتنّة لاثنين وعشرينَ أخرجتني منّي و سجّت بداخلي كل هذه الوجوه والأصوات و الأرواح ، ظللتني بكل هذا الحنين لمن استُلبت من ضلعه قديما و سحبتُ من عينيه كل صباح سحابا فذوَت غربتي في سكناه وسافرت في ما فوق خطاي من خطاه 
ممتنّة لكل ما صفّر بداخلي لحنا و أبجدية ، ولكل ما حفّ الشغف بها
محبّات لكل من رفع لي اليوم سماء خفيفة خفيفة غمرتني فكُنتُها
حزيران وميلاده أقل غربة بكم جميعا يا رفاق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق