الجمعة، 17 يناير 2014

مراجعة في رواية الخلود .


يعتمد الجمال في أي بنيان روائي على مقدرته لمس تشابكات وتأملات واقعية في ذهن القارئ ، وضعها أمامه و تحليلها و تفكيكها كصورة كاملة ، ومن ثم إعادة تركيبها بالصورة الأقرب لتقبل عقله وواقعه .
وأعتقد بأن الروايات التي تجاوزت هذا التحدي قليلة جداً ، فهي وإن لامست بعض الالتباسات ، لم تجعل منها سوى جسماً طافياً على السطح قامت بتكثيفه دون أدنى اعتبار لحله أو تحليله .
رواية الخلود لميلان كونديرا تضعنا أمام هذا الظهور المجازي لأسئلة الذات و تشكّل ملامحها بدقة ، من خلال بناء روائي فريد يقوم على عدة شخصيات قام كونديرا بتنحيتها ، بعيدا عن المركزية ، ومنعَها من احتكار الأحداث والتفاصيل ، بحيث قام السرد على مصاحبة الشخصية ، وليس محاكاتها ، تارة بالاستغراق بها وتارة بالإنتقال بها إلى الظل من أجل ترك فرصة لفهمها وتأويلها ، وشكّل من هذه الشخصيات المختلفة ( أنييس، روبنس ، لورا ، بول ، محادثات غوته وهمنغواي، منعطفات أفيناريوس ، و التباسات الراوي )
مجموعة من القصص المستقلة التي تعود لتتقاطع في فكرة وفلسفة عميقة ، كجزء من التوليفة نفسها .
وبهذا ، يترك كونديرا للقارئ التأمل في نتائج الأحداث ، تركيب الشخصيات و تفاصيلها ، بحيث يتلذذ هذا القارئ بكل المنعطفات والأحداث البطيئة ، وبالاستطرادات والوقفات الفلسفية ، مبتعدا به عن الفن السردي المعتاد الذي يلتزم قاعدة التواتر الدرامي ، و يحول عناصر الرواية إلى مجرد مرحلة بسيطة تقود إلى النهاية .
على العكس، جعل كونديرا من الرواية درباً استكشافيا لكثير من المعاني عن طريق تمثيلها بشخصيات لا مركزية فيها نوع من الانسجام المستمر وفي الوقت نفسه متغير
وكل ما يجمعها في النهاية هو تقارب المعنى الذي تجوبه وتبحث عنه .

رواية الخلود مليئة بالانصهارات المعقدة للإنسان الذي يتحول و يتبدل طوال مسيرته في هذه الحياة ، بحيث تضعنا أمام السؤال التأملي - ومضات متفرقة موزعة على الرواية تشترك جميعها بفخ الأنا وسؤاله ، محاولة تحديه ، و الخروج من محدداته و كل ما يعيقه عن التمدد والخلاص والخلود .
من الناحية الجمالية ، الرواية الكونديرية البعيدة عن المسار المستقيم للقصة ، و الشبيهة بشبكة من التفاصيل التي تشكل دروبا عديدة ، تعد الأقرب إلى النفس البشرية المنجدلة على نحو لصيق بواقعها ، وأسئلتها الفلسفية وكل أحلامها ورؤاها العميقة.

أخيراً و بشكل شخصي ، رواية الخلود تعتبر من أجمل الروايات التي قرأتها حتى عام 2013 ، تعلقت بالفلسفة الكونديرية بشكل كبير ، و استطاعت هذه الفلسفة لمس صرخات ملحة بداخلي ، و تحليلها و إعادة تركيبها .
أنصح بها وبشدة :)





الخميس، 2 يناير 2014

هذربات

أعتقد دون شك بأن بداخل بعض منا قدرة خفية على تجسيد مخاوفه و هواجسه كحالة تعرض أمامه
بحيث يخرِّج هذه المخاوف على شكل حالة يحاول أن يجعل طرفاً مقابلا يعترف بها 
وذلك لا ينتهي إلى شيء سوى إلى راحة دفينة تقبع بداخله بأن أحداً ما يتصرف أمامه بهذه المخاوف ، و يتمثلها 
أي يشاركه تجسيدها الحقيقي .
ليبقى أمام خيارين ، إما أن يستمتع بهذه المسرحية كونه استطاع منتصراً واهماً الخروج و الاستثناء من دائرة المرض بهذه المخاوف
أو أن يمتن لفرصة وضعته وجهاً لوجه أمامها ، ليحلّلها ،ويحلها و في أحسن الأحوال ينهيها تماما.

الأهم من ذلك ،الوسيلة ساذجة ،ساذجة جدا
وغير مبرَّرة .
وهذا هو فخ النفس حين تنجدل على شكل لصيق مع أناها التي لا تقبل بأي حال من الأحوال الاعتراف بنقصانها .